مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

 

في قلب القاهرة الفاطمية، وعلى بعد خطوات من قلعة صلاح الدين، ينتصب مسجد السلطان حسن شامخًا كأحد أعظم الشواهد على روعة العمارة الإسلامية المملوكية. ليس مجرد مسجد عابر في تاريخ مصر، بل تحفة فنية ومعمارية تحمل في جدرانها قصصًا عن السلاطين، والصراعات، والعبادة، والعلم، والفن.

صرح ديني وتعليمي فريد من نوعه

أمر السلطان الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون بإنشاء المسجد عام 1356م، في زمن كانت فيه مصر تحت حكم دولة المماليك البحرية. لم يرد السلطان مسجدًا للصلاة فقط، بل أراده مركزًا دينيًا وتعليميًا جامعًا للمذاهب الإسلامية الأربعة، يضم بين جنباته مدرسة ومسجدًا وضريحًا.

وقد وصف المؤرخون هذا المشروع حينها بأنه “الأكثر طموحًا في تاريخ العمارة الإسلامية بمصر”، لما فيه من جرأة معمارية، وتفاصيل زخرفية مبهرة، ونظام عمراني متكامل لخدمة الدين والعلم.

تصميم فني يلامس السماء

يقع المسجد على مساحة تقارب 8000 متر مربع، ويبلغ طوله 150 مترًا. يتبع تخطيطًا متعامدًا، يتمثل في صحن مركزي مفتوح، تحيط به أربعة إيوانات، أكبرها إيوان القبلة، المزين بأروع الزخارف والأعمدة الرخامية.

IMG-20250521-WA0077-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

يتصدر المسجد مدخل ضخم بارتفاع 38 مترًا، يفضي إلى دهليز طويل، ثم إلى ساحة الصلاة. ولعل أكثر ما يلفت النظر هو المئذنة الشرقية، التي كانت تعد الأعلى في العالم الإسلامي آنذاك، بارتفاع تجاوز 80 مترًا.

في قلب البناء، تنتصب قبة الضريح التي دُفن بها السلطان حسن، وتعتبر من أضخم القباب الحجرية في تاريخ مصر الإسلامي، مدعومة بأربعة أكتاف هائلة الحجم.

IMG-20250521-WA0082-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

زخرفة تتكلم بلغة الجمال والقرآن

تمتلئ جدران المسجد بآيات قرآنية كتبت بخط الثلث الجليل، وسط زخارف هندسية ونباتية، تتناغم في دقة لا تراها إلا في أعظم المعالم الإسلامية في العالم.

IMG-20250521-WA0069-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

الخشب المطعم بالعاج، والرخام الملون، والمشكاوات الزجاجية المزخرفة، والنجف النحاسي، كل قطعة في المسجد تقف كتحفة فنية قائمة بذاتها.

ومن أجمل العناصر الزخرفية “المشكاة” التي نُقلت لاحقًا إلى متحف الفن الإسلامي، وتُعد واحدة من أروع ما أبدعته يد الفنان المسلم.

شهادات عالمية ومكانة خالدة

وصف الرحالة المغربي ابن بطوطة المسجد بأنه “أعجب ما رأيت من عمارة المسلمين”، أما المستشرق الفرنسي “جاستون فييت” فأكد أنه “أفخم بناء ديني شُيّد في الشرق الإسلامي”.

IMG-20250521-WA0081-1-225x300 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية IMG-20250521-WA0075-225x300 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

ولم يكن المسجد بعيدًا عن أعين الفن والسينما؛ فقد ظهر في العديد من الأفلام المصرية والعالمية، وظل إلى اليوم مقصدًا للسياح، ومحبي التراث، والباحثين في فنون العمارة.

ترميمات وصمود عبر الزمن

رغم الزلازل التي ضربت القاهرة، وآخرها زلزال عام 1992، فإن المسجد ظل صامدًا بفضل جودة بنائه ومتانة أحجاره. شهد عدة عمليات ترميم على مر العصور، كان أبرزها خلال القرنين 19 و20، إلى أن أصبح اليوم من أبرز المعالم الأثرية التي تشرف عليها وزارة السياحة والآثار.

ختامًا: بين القداسة والجمال

يمثل مسجد السلطان حسن أكثر من مجرد بناء ديني؛ هو سجل حي لفن العمارة الإسلامية، ومسرح لتاريخ سياسي وثقافي ثري، ودليل على براعة الحرفيين المصريين في العصور الوسطى.

IMG-20250521-WA0074-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية IMG-20250521-WA0079-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلاميةIMG-20250521-WA0069-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلاميةIMG-20250521-WA0083-768x1024 مؤرخون: مسجد السلطان حسن هو الأكثر طموحا فى تاريخ العمارة الإسلامية

مشاركة

إرسال التعليق