تاريخ مسجد الفتح : من العصر الفاطمي إلى العصر الحديث
يُعد مسجد الفتح واحدًا من أبرز معالم القاهرة الدينية والتاريخية، حيث يحمل في طياته عبق التاريخ الإسلامي وملامح العمارة الحديثة. يتميز المسجد بمئذنته الشاهقة التي تُعد من الأطول في مصر، فضلًا عن موقعه الاستراتيجي في وسط العاصمة، مما يجعله مقصدًا مهمًا للمصلين والزائرين.
يعود أصل المسجد إلى العصر الفاطمي، حيث كان هناك مسجد قديم في نفس الموقع يُعرف باسم “مسجد المقس”، وقد بناه الخليفة الحاكم بأمر الله في منطقة كانت تُعرف حينها بـ”المقس”، وهي منطقة ساحلية على ضفاف نهر النيل قبل أن تتغير تضاريسها مع الزمن. ظل المسجد قائماً حتى العصر الحديث، إلى أن قررت السلطات المصرية إعادة بنائه وتوسعته.
ذكر شيخ المؤرخين المصريين، المقريزي، أنه قبل شهر رمضان من كل عام، في القرن الرابع عشر الميلادي، كان يطوف القضاة حول المساجد للوقوف على احتياجات المساجد من القناديل وترميم الأجزاء المتهدمة فيها وكانوا يبدأون بمسجد “الفتح”
في عام 1896، وخلال حكم الخديوي عباس حلمي الثاني، تقرر هدم المسجد القديم وإعادة تشييده بما يتناسب مع الطراز المعماري الحديث آنذاك. أُعيد افتتاح المسجد الجديد في 23 أبريل 1897 بحضور كبار المسؤولين في الدولة.
وقد صُمم المسجد على طراز يجمع بين التأثيرات المعمارية الإسلامية الكلاسيكية والحديثة، حيث يتميز بمساحة واسعة تبلغ حوالي 2000 متر مربع، ويتسع لآلاف المصلين. كما تمت إضافة مئذنة شاهقة يصل ارتفاعها إلى 130 مترًا، مما جعلها واحدة من أطول المآذن في مصر، وكانت أول مئذنة في العالم تُزوَّد بمصعد كهربائي.
الطابع المعماري والمميزات الفريدة
1. المئذنة الشاهقة
تُعد مئذنة مسجد الفتح من أبرز معالمه، حيث يبلغ ارتفاعها 130 مترًا، وهي من أطول المآذن في القاهرة، إن لم تكن الأطول على الإطلاق. وتضم المئذنة مصعدًا كهربائيًا، وهو ما كان يُعد إنجازًا هندسيًا غير مسبوق عند بنائها.
2. التصميم الداخلي والخارجي
يتزين المسجد من الداخل بزخارف إسلامية أنيقة، مع أعمدة رخامية ونقوش قرآنية محفورة بدقة.
تتميز القبة الرئيسية للمسجد بزخارف دقيقة تعكس الطراز الإسلامي التقليدي مع لمسات حداثية.
الساحة الخارجية للمسجد واسعة، وتُستخدم أحيانًا لاستيعاب المصلين خلال صلاة الجمعة والأعياد.
3. موقعه الاستراتيجي
يقع المسجد في ميدان رمسيس، أحد أكثر الميادين ازدحامًا في القاهرة، مما يجعله سهل الوصول إليه من مختلف مناطق العاصمة عبر المواصلات العامة والقطارات، نظرًا لقربه من محطة مصر، المحطة المركزية للسكك الحديدية في مصر.
الأحداث البارزة التي شهدها المسجد
1. أحداث 16 أغسطس 2013
خلال فترة الاضطرابات السياسية في مصر عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، شهد مسجد الفتح واحدة من أكثر الحوادث الدامية في تاريخه. لجأ عدد من المتظاهرين إلى داخل المسجد، وتحول إلى ساحة اشتباكات عنيفة بين المتحصنين داخله وقوات الأمن. استمرت المواجهات ليوم كامل، مما أدى إلى وقوع العديد من الضحايا، كما تعرض المسجد لأضرار جسيمة في أبوابه ونوافذه.
2. إغلاق المسجد لأعمال الترميم
نتيجة للأضرار التي لحقت بالمسجد خلال هذه الأحداث، تقرر إغلاقه لمدة 15 شهرًا لإجراء أعمال الصيانة والترميم. شملت أعمال الإصلاح:
ترميم الأبواب والنوافذ التي تحطمت خلال المواجهات.
إصلاح المئذنة التي تضررت جزئيًا.
إعادة طلاء الجدران الداخلية والخارجية وتجديد السجاد والإضاءة.
3. إعادة الافتتاح في 2014
بعد فترة الترميم، أُعيد افتتاح المسجد في 20 أكتوبر 2014، حيث أُقيمت فيه أول صلاة بعد إغلاقه، وسط حضور عدد كبير من المصلين وقيادات وزارة الأوقاف، الذين عبروا عن سعادتهم بعودة المسجد إلى سابق عهده.
الدور الحالي للمسجد
اليوم، يُعد مسجد الفتح أحد أهم المساجد في القاهرة، حيث يستقطب المصلين من مختلف المناطق، خصوصًا خلال صلاة الجمعة والمناسبات الدينية. إلى جانب دوره العبادي، يلعب المسجد دورًا اجتماعيًا بارزًا من خلال استضافة الدروس الدينية والندوات التثقيفية، كما يُستخدم أحيانًا كمركز لتقديم المساعدات للفقراء والمحتاجين.
مشاركة
إرسال التعليق