مكتبة الأنجلو المصرية: من الكتب الأجنبية إلى ريادة النشر العربي

صالونات ثقافية ضمّت نجيب محفوظ وطه حسين… والآن ريادة في علم النفس

في زمن تتسارع فيه خطوات العالم نحو الرقمنة وتغزو فيه شاشات الهواتف وأجهزة الحاسوب تفاصيل حياتنا اليومية، يبقى هناك متسع من القلب والعقل لمؤسسات حافظت على وهج الكلمة المكتوبة، ومثّلت منارات فكرية لأجيال من القرّاء والمثقفين. من بين هذه المؤسسات العريقة، تبرز مكتبة الأنجلو المصرية كأحد أبرز المعالم الثقافية في قلب القاهرة، بتاريخ يمتد لما يقرب من قرن، وبإرث غني من المعرفة والكتب والصالونات الأدبية.

تأسست مكتبة الأنجلو عام 1928 على يد صبحي جريس، لتبدأ رحلتها في خدمة القارئ العربي من بوابة الكتب الأجنبية، قبل أن تنفتح لاحقاً على النشر العربي وتلعب دوراً ريادياً في تعزيز المحتوى الثقافي المحلي. ومنذ ذلك الحين، كانت المكتبة شاهدة على تحولات المجتمع الثقافي في مصر، ومساهمة في بناء وعي قرائي لا يزال صداه مستمراً حتى اليوم.

في هذا الحوار مع مدير المكتبة فادي صبحي جريس، نفتح أبواب الأنجلو لنستكشف ملامح هذا الكيان الذي قاوم المتغيرات، وتجاوز التحديات، محافظاً على اسمه ومكانته كمركز إشعاع فكري لا تخفت أنواره.

متى تأسست مكتبة الأنجلو المصرية؟

 تأسست سنة 1928 على يد صبحي جريس الذي كان يسعى لتقديم تجربة ثقافية فريدة للمجتمع المصري والعربي، من خلال توفير كتب ومراجع باللغتين العربية والإنجليزية.

ما نوعية الكتب التي تعتمد عليها المكتبة، هل هي العربية أم الإنجليزية؟

نحن “مكتبة الأنجلو المصرية”، وكلمة “أنجلو” تعني الإنجليزية. عندما افتتحت المكتبة كانت تقتصر على الكتب الأجنبية فقط، لكن في أواخر الثلاثينيات بدأنا في تقديم كتب عربية إلى جانب الإنجليزية. وأثناء الثورة، بعد توقف الاستيراد، بدأنا في التوسع بالنشر المحلي سواء بالعربية أو الإنجليزية، ولكن طبعاً كان النشر العربي أكثر. بعد الاستقرار، عدنا للاستيراد، وأصبحنا نعمل باللغتين معاً، وقد كان جريس يرى في هذا المزيج فرصة لتطوير الثقافة المصرية والعربية على حد سواء، فكانت المكتبة بمثابة جسر ثقافي بين الشرق والغرب، تجمع بين الأصالة والتحديث في آن واحد.

 ما أبرز الفعاليات والأنشطة التي استضافتها المكتبة؟

في فترة صبحي جريس، كنا نقيم أسبوعياً صالوناً ثقافياً يحضره كبار الأدباء مثل نجيب محفوظ والعقاد وطه حسين، وكانوا يناقشون كتباً جديدة ويخوضون في قضايا ثقافية. حالياً، نحضر مؤتمرات كثيرة، خاصة في مجال علم النفس الذي أصبح تخصصنا الأساسي، إلى جانب مشاركتنا الدائمة في المعارض المحلية والدولية، كما كانت المكتبة تستضيف الندوات الأدبية وحفلات توقيع الكتب، مما جعلها ملتقى للمثقفين والكتاب الشباب الذين أرادوا تقديم أعمالهم. هكذا، أصبحت المكتبة مركزًا إشعاعيًا للفكر والأدب في قلب القاهرة.

 ما أبرز التحديات التي تواجه المكتبة حالياً، خاصة مع انتشار نسخ PDF  وتراجع معدلات القراءة؟

في ظل ارتفاع أسعار الورق والأحبار، نعمل على الحفاظ على مكانة المكتبة من خلال طبع كميات محدودة مع تنوع كبير في الموضوعات والمجالات. نحاول التكيف مع المتغيرات دون التنازل عن هويتنا.

ما رسالتكم لمحبي القراءة؟

 القراءة هي غذاء العقل والروح، فكما أن الطعام هو غذاء الجسد، فإن القراءة تفتح أبواب الفكر والوعي وتمنحنا القدرة على فهم ذواتنا والعالم.

تتجاوز مكتبة الأنجلو المصرية كونها مجرد دار نشر أو محل لبيع الكتب، فهي ذاكرة حية لتاريخ طويل من الإبداع، ومنصة احتضنت أسماء كبرى في الفكر والأدب العربي، كما كانت شاهدة على نقاشات ثرية وأفكار سبقت عصرها. وبالرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه صناعة الكتاب اليوم، بدءاً من عزوف الكثيرين عن القراءة الورقية، ومروراً بانتشار النسخ الرقمية المجانية، ووصولاً إلى ارتفاع تكاليف الطباعة، فإن مكتبة الأنجلو لم تستسلم، بل اختارت أن تواصل مهمتها التنويرية بروح جديدة وتخطيط متجدد.

ومع كل كتاب يصدر، وكل معرض تشارك فيه، وكل قارئ يدخل من بابها، تكتب الأنجلو فصلاً جديداً من فصول عطائها الثقافي، موجهة رسالتها الخالدة لكل محب للمعرفة: أن القراءة ليست ترفاً، بل ضرورة. إنها غذاء للروح، ومفتاح لفهم الذات والعالم. وبين رفوفها التي تزخر بالكنوز، تظل الأنجلو مساحة لاكتشاف ما هو أعمق من الكلمات: اكتشاف الإنسان ذاته.