يقع قصر شامبليون، المعروف أيضًا باسم “قصر الأمير سعيد باشا حليم”، في قلب القاهرة بمنطقة وسط البلد، وتحديدًا بشارع شامبليون الشهير. يُعد القصر واحدًا من التحف المعمارية التي تنتمي إلى العصر الملكي، ويتميز بتاريخه العريق وطرازه المعماري الفريد الذي يعكس عبق الماضي وفخامة الحاضر المنسي.
شُيّد القصر عام 1896 على يد المهندس الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك، الذي صمم أيضًا عددًا من المعالم المهمة في مصر، مثل قصر المنتزه ومبنى بنك مصر في شارع محمد فريد. بُني القصر على مساحة تقدر بحوالي 4781 مترًا مربعًا، وكان يحيط به حدائق غنّاء وأشجار كثيفة، مما أضفى عليه طابعًا أرستقراطيًا مميزًا.
أنشئ القصر ليكون هدية من الأمير سعيد باشا حليم – حفيد محمد علي باشا – إلى زوجته، إلا أن الزوجين لم يقيما فيه أبدًا، بسبب إقامتهما المستمرة في إسطنبول، حيث كان الأمير يشغل مناصب رفيعة في الدولة العثمانية. ومنذ ذلك الحين، ظل القصر دون استخدام دائم، وتوالت عليه فترات من الإهمال حتى أصبح مهجورًا.
وعلى الرغم من فخامة البناء وروعة التصميم، إلا أن القصر تحوّل بمرور الزمن إلى مبنى مهجور يكسوه الغبار، وتحيط به ورش الميكانيكا والمقاهي الشعبية. ورغم محاولات وزارة الثقافة في مطلع الألفية لإعادة إحيائه وتحويله إلى متحف يحكي تاريخ القاهرة، فإن هذه الجهود لم تكتمل وبقي القصر حبيس النسيان.
القصر المسكون
وخلال زيارتي الميدانية للقصر، التقيت ببعض السكان المجاورين، والذين رووا لي قصصًا مثيرة زادت من غموض هذا المكان. أحدهم أخبرني بأن القصر “مسكون”، وأن من يحاول دخوله لا يستطيع البقاء فيه طويلًا، حيث تسيطر عليه مشاعر غريبة تجبره على مغادرته سريعًا. وأضاف آخر أن القصر يصدر أصواتًا عالية في بعض الليالي، وكأن المكان لا يزال نابضًا بحياة غامضة لا يراها أحد. هذه الشهادات الشعبية تتقاطع مع ما يتداوله البعض عن أن القصر يُعد من الأبنية المسكونة التي تحيط بها الأساطير والأسرار.
وفي عام 2023، صدر حكم قضائي بإزالة التعديات المحيطة بالقصر، وترميمه ضمن خطة لإحياء التراث العمراني وتحويله إلى مزار ثقافي وسياحي. إلا أن التنفيذ العملي لا يزال ينتظر تدخلًا جادًا من الجهات المختصة لإنقاذ هذا المعلم التاريخي الفريد.
إن قصر شامبليون لا يمثل فقط جزءًا من العمارة الخديوية، بل هو شاهد حي على تقلبات الزمن في قلب العاصمة. وبين الجمال المعماري والأساطير الشعبية، يظل القصر في انتظار لحظة العودة إلى الحياة من جديد.
مشاركة
إرسال التعليق