د سامح عبد الغنى… يكتب:
المكان المحبب، والمنطقة الأبرز والأشهر فى حياتي.. إنها موطن البدايات، وشعلة النشاطات، وأصعب الدروب والمحطات، وتكبد المشقات، وموئل النجاح وتحقيق الغايات .. إنها الموروث الشعبي والحضارى الذي يعبر عن أبناء مصر الحالمين بصدق، الساعين بحق لتحقيق الأهداف والطموحات.
عندما أسترجع شريط الذكريات أجد فيه الكثير والكثير من المواقف والمشاهد التى لا تنسي، والتى ترتبط ارتباطا وثيقا بهذه المنطقة الحيوية فى بر مصرنا المحروسة.. إنها “شاهد عيان ” على المواقف المحفورة داخل جدار القلب والعقل، والتي تسكن الروح ولا تفارقها مهما طال الزمن.
إنها منطقة “وسط البلد” حيث التاريخ، والأصالة، والمودة، والرحمة، والعشق، والحلم، والسعى، وتحمل المشاق والحنين للذكريات التي سطرت بأحرف من نور لتجسد مراحل مختلفة من مراحل الحياة.
“وسط البلد” مصطلح دارج وكلمة شائعة بينى وبين أهلي وأصحابى وأحبابي، فهى “المنطقة” التى شهدت الكثير والكثير من الذكريات التى شكلت عاملا فارقا في مسار حياتى التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية.
عندما أتطرق لمسارى التعليمي فهى “المنطقة” شكلت شخصيتى، وأثرت فى كينونتى، فهى التى حوت أكبر وأعرق جامعة دينية وهى “جامعة الأزهر” التى أشرف بالانتماء لها والعيش فى كنفها منذ كنت طالبا فى المرحلة الجامعية الأولى.
لقد تنقلت بين شوارع “وسط البلد ” للوصول إلى جامعة الأزهر (فرع الدراسة) لأتلقى العلم، وأنهل من فيض هذا النبع الصافي الذى يجسد قيم الوسطية، والجمع بين الجوانب العلمية والأخلاقية، وألتقى بطلاب العلم من مشارق الأرض ومغاربها لنعيش معا أحلامنا التى نسعى لتحقيقها لنعيش حياة سوية.
إنها “وسط البلد” و “رمانة الميزان” و”العمود الفقري” الذي بنينا عليه وفيه أحلامنا فى اكتساب العلم الشرعى والديني بين جنبات أزهرنا المعمور.
كفى هذه المنطقة فخراً أن يكون بين جنباتها “الجامع الأزهر” الذى ارتدانه كثيرا، وعشنا بين جنباته وداخل أروقته نستذكر دروسنا، ونحلق فى سماء أحلامنا، ونستنشق عبير السكينة والطمأنينة فى بقعة من أطهر بقاع الأرض.
إنه “الملاذ الأول” لطلاب الأزهر للشعور بالراحة النفسية، والاستزادة من الحصيلة العملية والمذاكرة اليومية، ومتابعة الدروس الشرعية، ومعرفة الأحكام الفقهية.
إن حديث الذكريات لا يتوقف عند هذا المشهد؛ فهذه المنطقة كانت الملاذ الأول لاقتناء ملابسى والسير فى شوارعها واستنشاق شذاها.. “نزهة” استريح بها من عناء طريق العلم الطويل بالجلوس فى مطاعمها والظفر بمغانمها، وتعويد النفس على نيل طموحاتها وعزائمها.
“وسط البلد” و”شارع المعز”..إنه ” الشارع” الذي شهد لقاء الأحباب والأصدقاء داخل مصر وخارجها، وخاصة فى شهر رمضان المبارك حيث الجو المفعم بالروحانيات وأداء الشعائر والصلوات.. إنه المكان الذى جمعنا مع سفراء الدول العربية والإسلامية لنعيش جو المودة والمحبة والإخاء على مائدة العلم والمعرفة ونيل القربات.
” وسط البلد” شاهد على “دروب وعرة” سلكناها بحثا عن الرزق الحلال والحصول على بعض الجنيهات التى تعيننا على مواصلة السير في طريق العلم والسعى نحو تحقيق الأمنيات، والظفر بالغايات، والتغلب على شظف العيش وحالك الظلمات.
لنا مع هذه “المنطقة” ذكريات وذكريات منذ زمن فات لا يستطيع العقل تغافلها إلا إذا غادرنا الحياة وصرنا من الأموات، لكنها ستظل محفورة فى الوجدان لما لها من عظيم الأثر وكثير البصمات.. الله أسأل أن يوفقنا للطاعات والقربات، وأن يغفر لنا ما مضى من العمر والسنوات، وأن يبارك لنا فيما هو آت، وأن يرزقنا حسن الخاتمة ورفعة الدرجات.
مشاركة
إرسال التعليق